رشاد | التاريخ: الجمعة, 2010-10-29, 9:15 PM | رسالة # 1 |
ويب ماستر
مجموعة: المدراء
رسائل: 242
حالة: Offline
| تفسير قوله تعالى: (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة ...) قال تبارك وتعالى: وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:100]. قوله تعالى: (( وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا ))، يقول السيوطي: مهاجراً. (( كَثِيرًا وَسَعَةً )) في الرزق. (( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ ))، في الطريق كما وقع لـجندع بن ضمرة . (( فَقَدْ وَقَعَ )) ثبت (( أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )). (( وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا )). يقول القاسمي رحمه الله تعالى: (( وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ )) يعني: في طاعة الله عز وجل، (( يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا )) أي: طريقاً يراغم فيه أنوف أعدائه القاصدين إدراكه، (( كَثِيرًا وَسَعَةً )). وفسرها السيوطي كما رأينا (( مُرَاغَمًا )) أي: مهاجراً، ولا تعارض؛ لأن المقصود بأنه سيجد سبيلاً وطريقاً أو مأوىً يستطيع فيه أن يراغم أعداء الله تبارك وتعالى. وقد ذكرنا من قبل في عدة مناسبات أن الله سبحانه وتعالى يحب من وليه أن يغيظ عدوه، بأن يلزم طاعته تبارك وتعالى فيكون أقوى وأعز من أعداء الله تبارك وتعالى، كما قال تبارك وتعالى: وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ [التوبة:120]، كذلك قال تبارك وتعالى: يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29]. والنبي صلى الله عليه وسلم سمى سجدتي السهو: (المرغمتين)؛ لأنهما ترغمان أنف الشيطان وتغيظانه. قوله: يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا أي: يجد مكاناً يستطيع فيه أن يقيم دينه ويظهره ويغيظ أعداءه الذين يقصدون أن يدركوه ويردوه عن هجرته، أو عن طاعته لله سبحانه وتعالى. (( كَثِيرًا وَسَعَةً )) أي: في الرزق، أو سعة في إظهار الدين، أو سعة وانشراحاً في الصدر؛ لأن خوفه يتبدل أمناً إذا هاجر من بين ظهراني المشركين. (( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا ))، أي: من مكة. (( إِلَى اللَّهِ )) أي: إلى طاعة الله أو إلى مكان أمر الله بالهجرة إليه. (( وَرَسُولِهِ )) أي: إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، يعني: بالمدينة. (( ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ )) يعني: في الطريق قبل أن يصل إلى المقصد. (( فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )) يعني: فقد ثبت أجره على الله سبحانه وتعالى، ولا يستغرب هنا أن نفسر قوله تعالى: (( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ )) يعني: من مكة، (( مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ )) يعني: للمدينة؛ لأن الهجرة في حياة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هكذا كانت، يعني: من مكة إلى المدينة أو من خارج المدينة إلى المدينة. (( فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )) يعني: فلا يخاف فوات أجره الكامل؛ لأنه لم يكن فقط يتمنى أماني أو أحلام يقظة وإنما هو نوى وجزم وعزم، ثم تحرك وخرج من بيته بنية الهجرة إلى الله سبحانه وتعالى، فمثل هذا يثاب ثواباً كاملاً؛ لأنه نوى وشرع أيضاً في العمل. أما عدم إتمام العمل بسبب إدراك الموت إياه في الطريق مثلاً فهذا ليس تقصيراً منه إذا لم يتم العمل، لكن كان عليه أن يسعى والتمام على الله سبحانه وتعالى. (( وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا )) سيغفر له ما فرط منه من الذنوب التي من جملتها القعود عن الهجرة إلى وقت الخروج، ويرحمه الله بإكمال ثواب هجرته. سبب نزول قوله تعالى: (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً..) هنا بعض التنبيهات فيما يتعلق بسبب نزول هذه الآية، أخرج ابن أبي حاتم و أبو يعلى بسند جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (خرج ضمرة بن جندب من بيته مهاجراً، فقال لأهله: احملوني فأخرجوني من أرض المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، هناك روايات أخرى تدل على أنه كان قد مرض، ومع شدة مرضه خشي أن يموت في مكة دون أن يهاجر، فقال لأهله: احملوني فأخرجوني من أرض المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمات في الطريق قبل أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل الوحي: (( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا )). وجاءت عدة روايات في سبب نزول هذه الآية. ثمرة قوله تعالى: (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً...) ثمرة هذه الآية: أن من خرج للهجرة ومات في الطريق فقد وقع أجره على الله. قال الحاكم : لكن اختلف العلماء في الأجر الذي وقع له، فقال بعضهم: أجر قصده، أي يؤجر على النية، وقيل: أجر عمله دون أجر الهجرة، يعني: يثاب على القدر الذي قطعه من الهجرة، وقيل: بل له أجر الهجرة كاملة كأنه قد هاجر بالفعل، وهذا هو الظاهر في سبب نزول هذه الآية الكريمة، وقد جاء في معنى هذه الآية أحاديث وافرة منها ما في الصحيحين وغيرهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) قال ابن كثير: وهذا عام في الهجرة وفي جميع الأعمال. ومنها الحديث الثابت في الصحيحين: (في الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً، ثم أكمل بذلك العابد المائة، ثم سأل عالماً هل له من توبة؟ فقال له: ومن يحول بينك وبين التوبة، ثم أرشده إلى أن يتحول من بلده إلى بلد أخرى يعبد الله فيه، فلما ارتحل من بلده مهاجراً إلى البلد الأخرى أدركه الموت في أثناء الطريق، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقال هؤلاء: إنه جاء تائباً، وقال هؤلاء: إنه لم يصل بعد، فأمروا أن يقيسوا ما بين الأرضين فإلى أيهما كان أقرب فهو منها، فأمر الله هذه أن تتقارب، وهذه أن تتباعد فوجدوه أقرب إلى الأرض التي هاجر إليها بشبر، فقبضته ملائكة الرحمة). وفي رواية: (أنه لما جاءه الموت نأى بصدره إلى الأرض التي هاجر إليها) . يعني: أراد أن يجتهد في الاقتراب من هذه القرية الصالحة بقدر المستطاع، حتى إنه لما نزل به الموت أخذ يزحف بصدره حتى يقترب ويقطع أقصى مسافة ممكنة حتى ينقذ روحه من النار. وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عتيك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (من خرج من بيته مجاهداً في سبيل الله فخر عن دابته فمات فقد وقع أجره على الله، أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله).
|
|
| |